كواليس صحراوية : اسليمان العسري
منذ سنوات خَلَتْ، خاصةً بعد ميلاد أحياء عدة كبيرة بشرق المدينة (الراحة، الوفاق، العودة، 25 مارس…) نظرا للتزايد الديموغرافي والعمراني السريع، شهد قطاع النقل الحضري تجاوزات عدة واختلالات لم تعرفها مدينة بالمغرب من قبل، عجز مسؤولو ومتدخلو القطاع عن إيجاد حلول لها، برغم الأصوات النقابية المؤطرة لعمل سائقي سيارات الأجرة والتي بَحَّتْ حناجرهم طيلة هذه المدة مناديةً بفتح الحوار الذي ظلَّ مغلقا ومسدودا من أجل المساعدة في فك شيفرة عشوائية القطاع مما ينعكس سلبا على مستعملي سيارات الأجرة من المواطنين قضاءً لحوائجهم.
فالحكاية المؤلمة بدأت كما سلف الحديث بداية النمو العمراني السريع، الأمر الذي فاق طاقة سيارات الأجرة خاصة وإن تعلق الأمر بالامتداد الكبير لأطراف المدينة، ليصبح سائق سيارة الأجرة بين مطرقة الخسائر الميكانيكية واستهلاك البنزين وسندان صاحب السيارة والذي لايهمه سوى حصته بعد نهاية العمل اليومي (الروسيطا)، الأمر الذي سيجنبه مكرها نقل الركاب إلى الأحياء الشرقية، والأخطر من هذا وذاك هو التزام طلبة المعاهد بوقت الدخول والخروج مع العلم أن أغلب هذه المراكز والمؤسسات متواجدة بحي 25 مارس، كل هذا أدى إلى ظهور وسائل نقل (لكويرات) والتي تناسلت بشكل تدريجي لتغطية الخصاص الحاصل في تنقل الساكنة، لتدخل على الخط أيضا حافلات الكرامة والتي أنقذت نوعا ما قطاع النقل الحضري من السكتة التي كادت تعصف به، لينتج عن هذه الأحداث تنافسية غير مبررة ولا قانونية أدخلت سيارات الأجرة في ركود، لكن سائقي (لكويرات) كان لهم رأي آخر أكثر ذكاء وخطورة في الآن ذاته، بحيث استبدلوا استعمال البنزين بقنينات الغاز لترتفع أرباحهم وتقل خسائرهم، لكن مع حدوث أزمة بين حافلات الكرامة والمسؤولين حول دفتر التحملات، وانقضائها بفك الاتفاق المبرم، سيظل القطاع يشهد مد وجزر، وغياب مسؤولين قادرين على حلحلة الملف وعجزهم تماما، برغم استبدال حافلات الكرامة بحافلات العيون (وتلكم قضية أخرى تتعلق بماهو سياسي وتصفية حسابات)، فهذه الأخيرة تأكد في ما بعد بأنها مجرد خدعة، بحيث لم تلتزم بدفتر التحملات تماما، لا يحكمها توقيت معين وغير قادرة على تغطية أغلب الخطوط برغم تلقيها الدعم حسب الاتفاق لدرجة أن فقط أربع حافلات تشتغل، مما ساهم في تناسل النقل السري (لكويرات) والتي كما قلنا أصبحت تشكل خطرا على راكبيها لتهور مجموعة سائقين، فلا يكاد يمر يوم إلا وتعرف شوارع المدينة حوادثا طرفها (كوير) أو انفجار قنينة الغاز المؤدي للاحتراق الكلي والتفحم، وفي الجانب الآخر نقابات وجمعيات سيارات الأجرة تندد بالوضع الكارثي للقطاع وتهدد بالإضرابات وتنفدها معتبرين أن المسألة حيف وتقصير من جانب المسؤولين، والذين يلتزمون بالصمت ومشاهدة الفيلم من مكاتبهم المكيفة غير آبهين، مما اعتبره عدد من زعماء هذه النقابات أن الأمر تحكمه مصالح مادية وسياسية بين المسؤولين وسائقي سيارات (لكويرات)، أما الكرة (أو لنقل الجمرة الملتهبة) يتحمل أوزارها رجال الشرطة والذين لا ناقة لهم ولا جمل.
والسؤال المطروح حاليا هو : إن كان هؤلاء المسؤولين لا خطة استباقية لهم ولا حلول، فلماذا انتهجوا هذه الطريقة السريعة في التمدن والنمو العمراني؟.