اسلامة أشطوط يكتب : “إلى من يهمه الأمر”

Devlop Design13 أغسطس 2024آخر تحديث :
اسلامة أشطوط يكتب : “إلى من يهمه الأمر”

كواليس صحراوية : بقلم / اسلامة أشطوط

تعتبر قضية الترامي على الأراضي والبناء العشوائي واستنفاد الوعاء العقاري من القضايا الملحة التي تعكس عمق التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إقليم الطنطان. تتفاقم هذه المشكلة في ظل تصريحات عامل إقليم الطنطان التي أكد فيها صراحة أن المصلحة الخاصة باتت تتغلب على المصلحة العامة، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول من يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع المأساوي الذي يهدد التنمية المستدامة ويعرقل فرص الاستثمار في المدينة.
المشكل في الطنطان هو مشكل بنيوي معقد، وتتداخل فيه العديد من العوامل التي تجعل من الصعب حله بشكل جذري وسريع. تعقيد هذا المشكل ينبع من تداخل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، إلى جانب الفساد والمحسوبية، مع ضعف التخطيط الحضري والرقابة من الجهات المعنية.
على المستوى البنيوي، فإن المشكلة ترتبط بأساسيات التوزيع العادل للموارد والتخطيط السليم للمساحات الحضرية. هناك فشل في تصميم سياسات عقارية ملائمة تستوعب النمو السكاني وتحقق التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة. هذا الفشل ليس مجرد مشكل عرضي، بل هو نتيجة لعدم وجود رؤية شاملة وطويلة الأمد لتطوير المدينة، حيث يتم التعامل مع الأمور بشكل وقتي واستثنائي دون النظر إلى الآثار البعيدة المدى.
من الناحية الاجتماعية، فإن المشكل يرتبط أيضا بثقافة التعامل مع القانون والانتماء الإجتماعي. عندما يشعر المواطنون بأن القانون لا يُطبق بشكل عادل، وأن هناك مجال للتجاوزات، فإن ذلك يشجع على الترامي على الأراضي والبناء العشوائي. كما أن الفقر والبطالة يشكلان قوة دافعة لهذا النوع من السلوكيات، حيث يضطر الأفراد إلى البحث عن حلول سريعة لمشاكلهم المعيشية، حتى وإن كانت غير قانونية.
احترام القانون والرقابة يُعدان جزءا أساسيا من تعقيد المشكلة. فالقوانين المتعلقة بتنظيم الأراضي والبناء قد تكون موجودة، لكنها إما غير مفعلة بشكل كافٍ أو تُعاني من الثغرات التي يستغلها الأفراد. أما ضعف الرقابة، سواء كان بسبب نقص الموارد أو بسبب الفساد، فهو يؤدي إلى تفاقم المشكلة. بالإضافة إلى ذلك، يتسم النظام القضائي أحيانا بالبطء وعدم الفعالية في معالجة القضايا المتعلقة بالترامي على الأراضي، مما يجعل الحلول القانونية غير مجدية للكثيرين.
الفساد والمحسوبية يضيفان طبقة أخرى من التعقيد. عندما يتداخل النفوذ الشخصي والعلاقات مع تنفيذ القانون، يصبح من الصعب تحقيق العدالة أو حتى فرض القوانين بشكل فعال. هذا التداخل يؤدي إلى انتشار الظاهرة بشكل أكبر، حيث يشعر المخالفون بأنهم محميون من العقاب، مما أدى إلى تشويه مشهد المدينة وخلق بيئة غير مستقرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. الضغط السكاني والتحضر السريع في الطنطان يعتبران من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء انتشار البناء العشوائي. المدينة، التي شهدت تحولات كبيرة خلال العقود الأخيرة، أصبحت وجهة للعديد من السكان الباحثين عن فرص أفضل للحياة. هذه الهجرة الداخلية زادت من الطلب على الأراضي السكنية والتجارية، وهو ما لم يكن متاحا بشكل منظم ومخطط له. ونتيجة لذلك، لجأ العديد من المواطنين إلى استغلال أي مساحة متاحة، سواء كانت ملكا عاما أو خاصا، للبناء عليها دون مراعاة القوانين الجاري بها العمل.
الفقر والبطالة المستشريان في الطنطان لعبا دورا محوريا في دفع العديد من الأسر إلى البناء العشوائي. مع غياب الفرص الاقتصادية الكافية وارتفاع تكاليف الحياة، يجد العديد من السكان أنفسهم مضطرين للبحث عن حلول بديلة لتأمين مأوى لهم ولعائلاتهم. هذه الحلول، التي تتسم بالعشوائية والافتقار للتخطيط، تعكس واقعا مريرا يعيش فيه المواطنون بين مطرقة الحاجة وسندان القوانين غير المفعّلة.
التوسع الحضري غير المخطط له في الطنطان يؤدي إلى خلق أحياء سكنية غير مؤهلة، تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية. هذه الأحياء العشوائية تصبح بؤرا للفقر والتهميش، حيث يعاني سكانها من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، والكهرباء، والصرف الصحي. هذا الوضع يعمق من معاناة السكان ويخلق جيوبا من الفقر والعزلة داخل المدينة، مما يعقد مهمة السلطات في توفير الخدمات اللازمة وتحسين جودة الحياة.
الصراعات القانونية والمجتمعية التي تنشأ عن الترامي على الأراضي تزيد من تعقيد الوضع في الطنطان. النزاعات بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم حول ملكية الأراضي أو شرعية البناء غالبا ما تؤدي إلى توتر اجتماعي وربما إلى مواجهات عنيفة. هذه الصراعات لا تؤثر فقط على الاستقرار الاجتماعي، بل تعرقل أيضا جهود التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
إعاقة التنمية المستدامة تعتبر من أبرز النتائج السلبية للترامي على الأراضي والبناء العشوائي في الطنطان. الانتشار غير المنظم للأحياء السكنية يجعل من الصعب على السلطات التخطيط للمستقبل وتلبية احتياجات السكان من الخدمات العامة والبنية التحتية. هذا الوضع يؤدي إلى تأخر تنفيذ المشاريع التنموية الضرورية ويعيق جهود تحسين الظروف المعيشية للسكان.
تتطلب مواجهة ظاهرة الترامي على الأراضي والبناء العشوائي في الطنطان اتخاذ مجموعة من التدابير الجادة والشاملة. هذه التدابير يجب أن تبدأ من تعزيز الرقابة وتفعيل القوانين المتعلقة بحماية الأراضي وتنظيم البناء. إلى جانب ذلك، ينبغي على السلطات المحلية تطوير سياسات عقارية جديدة تتناسب مع النمو السكاني والاحتياجات المستقبلية للمدينة. مكافحة الفساد والمحسوبية يجب أن تكون أولوية لضمان عدم تكرار التجاوزات التي أدت إلى تفاقم الوضع.
في نهاية المطاف، معالجة ظاهرة الترامي على الأراضي والبناء العشوائي في الطنطان ليست مجرد مسألة قانونية أو تنظيمية، بل هي قضية ترتبط ارتباطا وثيقا بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. من خلال معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة وتبني حلول شاملة، يمكن للطنطان أن تتجاوز هذه التحديات وتحقق تطورا عمرانيا مستداما يعود بالنفع على جميع سكانها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة