حكايات من الزمن الجميل : هل رأيت جمالا مثل جمال تلك المرأة؟

Devlop Design2 سبتمبر 2023آخر تحديث :
حكايات من الزمن الجميل : هل رأيت جمالا مثل جمال تلك المرأة؟

كواليس صحراوية : بقلم الدكتور / فيصل رشدي

حطت المجموعة المكونة من خمسة أفراد الرحال قرب واد وين مذكور، والضبط قرب ضريح القطب الرباني سيدي عبد الرحمان التهالي، وزعنا المهام التالية: اثنان يتكلفان بإعداد الطعام، واحد يعد الشاي، وآخر يعد الحليب في إناء كبير، وتكلفت أنا بجلب ماء الغدير من أسفل الوادي.
اتجهت مباشرة صوب الضريح القريب من الزاوية، تركت الأفراد الآخرين يهيؤون مهامهم. ما أن أقبلت على الضريح حتى رأيت ثلاثة قبور واحدة للقطب الرباني سيدي عبد الرحمان التهالي والقبر الآخر لابنه وآخر هناك لزوجته، وقبر الولي الصالح محمد مولود رجوت لهم الرحمة.
خرجت من الضريح، انتصف النهار فإذا بالشمس في كبد السماء و تتلألأ بلمعان جذاب، استنشقت خياشيمي هواء باردا، لتصيخ أذناي السمع لصوت تغريدة العصافير من هناك في الوادي.
أسير ببطء كراهب اعتزل الناس ليخلو بخلوته، سرت عبر الوادي المليء بالحجارة أتمعن جمال الأشجار، أسمع خرير المياه تشق طريقها الطويل.
بينما أنا في الطريق أتمعن جمال الطبيعة، لفت انتباهي بهاء اللون الأخضر الذي يعم أطراف الوادي، حيث البرك المائية حوله. التفت إلى العمق، فإذا بي أرى امرأة، استغربت وجودها فيه، وتساءلت هل رأينا أحدا! هل لفت انتباهنا أحد في الطريق! كان جوابي لا أحد.
أسرعت متجها نحو المرأة، خطواتي في إيقاع لأغنية فرنسية بعنوان” فوله” لمغنية شابة ألهبت حماسي، وغيرت إيقاعتها خطوات أقدامي، إيقاع يوازي خطوة، المرأة التي رأيتها خطفت عقلي، ترتدي زي أهل الصحراء( ملحفة صفراء اللون تسر عين الناظرين)، بدأت أقترب منها شيئا فشيئا، حتى رأيتها بشكل مباشر وأدق.
ألقيت عليها التحية بصوت رقيق، لم يطرق سمع بشر . وقفت وتأملت وجهي، وردت علي بصوت خفي لا يسمعه أحد حتى لو كان على مقربة منا، تأملت وجهها الأبيض وسحر عينيها التي خلف نظارات، لم أنبس ببنت شفة، سحرني جمالها، خطف قلبي شكلها.

شعرت بعجز في أقدامي، شعرت بأنني أريد هذا الجمال الذي لا يستطيع أحد مقاومته ؛ تأملت جمال عيونها السوداء وصغرهما، وفمها المعتق كوردة تفتحت في فصل الربيع. نظرت إليها، فقلت : ما اسم؟.
– قالت لي : أنا لست من هنا، ولكن من مكان بعيد عنك، أزور هذا المكان مرة في العام، أنا من بلاد السمارة، غريبة عن هذا المكان وأهلي ينادونهم بالسواعد.
نظرت إلى جمال عينيها، فتأملت الجمال في ملكوته، فقلت لها: كنت أقول لأمي أن أخوالك لا جمال لهم، وتضحك في فرح وتقول : إنهن الأجمل.

ولكن أمي كانت على ثقة من كلامها، وأنا في كل مرة أكذب حديثها بحكم حبها لأخوالها.
دققت في وجهها، وقلت لها : في أي صورة وضعك الخالق الناطق، في صورة مكتملة المعالم، من أخمص القدمين إلى أعلى الرأس. آه لجمالك يا سيدتي عندما أعود إلى أمي سأقول لها: إنك أجمل امرأة رأتها عيني، وعلى جمالك سأرقص رقصة الشيخ الصوفي نجم الدين كبرى وسأتلوها برقصة زوربا.
أعدت النظر، ودققت وحققت فيها، حاشا أن تكون هذه الجميلة بشر! عيناها قمر، يديها سحر، ووجهها شمس تربعت على كوكب الأرض قبل أن يظهر البشر.
يا إلهي… هل أنا أحلم…
نظرت خلفي إلى مكان الضريح لأرى أصدقائي، ما أن التفت إليها حتى غابت عن ناظري، اختفت تلك المرأة وكأن الأرض ابتلعتها. التفت يمينا وشمالا شرقا وغربا؛ وقلت : أين ذهبت….؟.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة