كواليس صحراوية : بقلم / اسلامة أشطوط
إن مناقشة الحقائق بوضوح وشفافية حول تنظيم موسم الطنطان في نسخته العشرين هو أمر ضروري، يتطلب منا جميعا الوقوف عند نقاط الإختلاف وفهم تداعيات هذا الملف بشكل موضوعي.
التحديات والإختلافات في وجهات النظر حول هذا الملف يمكن أن تكون فرصة للنقاش البناء وإيجاد حلول تعزز من نجاح الموسم مستقبلا. إن الشفافية والمصارحة هي أدوات أساسية لضمان تقديم موسم مميز يتماشى مع تطلعات جميع الأطراف المعنية، ويعكس الهوية الثقافية بشكل حقيقي ومشرف، فهذا هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة المغالطات والتقدم نحو مستقبل أفضل.
وسط هذا الكم الهائل من الغموض والتساؤلات التي احاطت تنظيم موسم الطنطان في نسخته 20، نجد أنفسنا مجبرين على الحديث بصراحة ووضوح. إن قول الحق ليس مجرد خيار، بل هو واجب أخلاقي علينا جميعا، خصوصا على ما آل إليه الحال من اختلاف وجهات النظر من تداعيات هذا الملف الخاص بالموسم. وعندما نتحدث عن الحقائق، فإننا لا نسعى للتشهير أو الانتقاد لأجل الانتقاد فقط، بل نهدف إلى إثارة الوعي وتحفيز الجميع على التحرك نحو العمل تم التغيير، دعونا نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، ونقول الحقيقة بكل جرأة، فهذا هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة المغالطات.
عندما يقرر كل المنتخبين ممثلي الساكنة من جماعات قروية، حضرية، جهوية، غرف الصناعة والتجارة والخدمات والصيد البحري، برلمانيون، مستشارون، أعيان، مجتمع مدني، ونخب مثقفة، ولكي يلعب هذا الموسم العالمي، دورا حيويا في الحفاظ على التراث الثقافي اللامادي وتعزيز الهوية والانتماء بين الأجيال المختلفة، يجب على كل هذه المكونات باختلاف انتماءاتها الحزبية السياسية، أن تسعى الى إثارة نقاش علمي وأكاديمي من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ وصيانة التراث باعتباره تحديا وضمانا للتنمية المستدامة في إطار النموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية، والذي حظي بعناية خاصة في إطار تنفيد التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تثمين الثقافة والتاريخ والفضاء الصحراوي الحساني، وتفعيلا لمضامين دستور 2011 الذي ينص على أن التعددية الثقافية للمغرب جزء من هويته الوطنية الفريدة والموحدة، وتناغما مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2015، التي تتضمن 17 هدفا لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال القضاء على الفقر، حماية الكوكب، وضمان السلام والازدهار للجميع بحلول عام 2030.
لهذا فعلى كل من يهمه الأمر أن يسابق الزمن من أجل الحفاظ على هذا الموروث الثقافي، وذلك من خلال وضع خارطة طريق تتماشى وتتلاءم مع مايفترض به ان يكون داعما للتراث الثقافي، الذي يعتبر ذاكرة للأفراد والأمم ومصدر انتماءها لماضيها وتركتها لجيل المستقبل.
إن أمر حمايته والحفاظ عليه يُعّد أمرا بالغ الأهمية، خصوصا وأن التراث الثقافي لا يختزل في بعده الجمالي أو الرمزي، وإنما له أيضا بعد اقتصادي مهم، خصوصا أن القيمة الجمالية والتعبيرية التي يعبر عنها المنتج التراثي الحساني تنبع من الإبداع، وتحمل معها أشكال التفكير والعقلية الابتكارية لدى المجتمع الحساني بالصحراء المغربية.
ونظرا لارتباطنا العضوي والوثيق ببيئتنا الصحراوية ومعرفتنا الدقيقة بخاماتها وأسرارها، فأنا أرى كما يرى كل غيور على الطنطان أنه من الواجب علينا كمسؤولين كل من موقعه، التطرق لمقاربة إشكالية الترات الشفهي اللامادي من خلال مظاهر التميز وإمكانيات التوظيف.
من هذا المنطلق، يجب علينا طرح اسئلة ومحاولة البحث عن اجوبة مقنعة لها تلخص النتائج والحقائق من قبيل:
-الثقافة الحسانية وأسئلة الثروة المهدورة.
-كيف يمكن تثمين قيم التراث اللامادي كرأس مال رمزي؟
– التراث اللامادي في المنطقة، بين التحديات التنموية المطروحة، والبعد التنموي النهضوي غير المادي هل من أبعاد وآفاق تنموية؟
-كيف يمكن تحفيز الأجيال الصاعدة للإهتمام بالتراث لأهميته في الحفاظ على حضارة وتاريخ هذا الوطن، وكذا لدوره الأساسي في ترسيخ قيم المواطنة الجادة؟
-كيف يمكن اعتبار التصوف تراثا روحيا للمنطقة من خلال زيارة ضريح الشيخ محمد لغضف في كل نسخة؟
-هل الأنشطة الثقافية المعتمدة أوفت بمواعيدها وتطلعاتها.
من خلال طرح مثل هذه الاسئلة وغيرها، وكل ما يفيد صياغة تقارير وتصورات تأخد بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة من كل الجهات المعنية بالمنطقة، كل هذه الخطوات تتطلب ترافعا فعّالا ناجعا، ممزوجا بالحجج القوية والدعم المستند إلى البيانات ذات الصلة، من أجل التحسيس برهانات تأهيل التاريخ والتراث الثقافي للمنطقة، والتواصل الفعّال مع كل الأطراف المسؤولة لتحقيق النجاح المنشود.
من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج فدائما ما تستحدث لهذا الحدث من الوسائل والسياسات والإمكانيات ما يحقق له صيانة مستدامة لتاريخه وتراثه؛ خصوصا وأن الجهود الرامية لتحقيق ذلك لم تعد مقتصرة فقط على المؤسسة الحكومية الرسمية فحسب، بل اتسعت رقعتها لتشمل كل المؤسسات، الحكومية وغير الحكومية، ما يستوجب الانفتاح على الجامعات والمعاهد والمنظمات والمراكز.
لهذا نرى أنه قد حان الوقت لإعطاء الأولوية لدعم البحث العلمي الاكاديمي المحلي، من خلال إصدار كتب ودراسات لباحثين محليين، توثيق وأرشفة المادة التراثية المقدمة ضمن فعاليات موسم الطنطان إلكترونيا، مرورا بالتنشيط الثقافي عبر تنظيم الملتقيات السينمائية، اشرطة وثائقية، ندوات فكرية، أيام دراسية، دورات تكوينية، استضافة فعاليات علمية وأكاديمية في مختلف التخصصات، ناهيك عن تأسيس مجلة علمية تعنى بالبحوث والندوات والمواضيع ذات الصلة بالتراث، معارض، ورشات تكوينية، إحداث متحف للتراث قائم الذات، تدوين التراث، ترتيبه وتصنيفه كتراث إنساني وطني وكوني، وأخيرا تسليط الضوء على مواقع النقوش الصخرية لمنطقة أزكر وتسميمت وتسجيلها ضمن التراث الوطني.
إن الحديث عن الثقافة الحسانية هو إثبات لرافد من روافد الثقافة المغربية، باعتبارها نظاما متكاملا من تفاعلات تراثية وانتروبولوجية وعلاقات اجتماعية وتشكيلات فنية وطقوس وعادات راسخة في التربة الصحراوية المغربية أقصى جنوب المغرب.
وخير ما قيل في التراث مقتطف من نص الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في الدورة 23 للجنة التراث العالمي، 1999.
. (…) على أننا لابد أن نؤكد مرة أخرى على ضرورة اعتماد رؤية ديناميكية بخصوص هذه الحماية. قوامها إدماج تراثنا في مشاريع التنمية وليس فقط تحنيطه في إطار رؤية تقديسية للماضي، وهو ما يستدعي أيضا ربط جسور قوية بين هذا الموروث الحضاري وبين إبداع الإنسان في الزمن الحاضر، لأن تراث الغد هو أيضا ما نبتكره اليوم، فلا مناص إذن من جعل التراث فضاء مشترك لحوار الحضارات وحوار الأجيال والأزمنة (…)…