قراءة في كتاب : رائعة التراث الشفهي اللامادي للبشرية

Devlop Design5 يوليو 2024آخر تحديث :
قراءة في كتاب : رائعة التراث الشفهي اللامادي للبشرية

كواليس صحراوية : بقلم / اسلامة أشطوط

كتاب “رائعة التراث الشفهي اللامادي للبشرية” للمؤلف الإسباني”كيتين مونيوز” (Kitín Muñoz) سفير النوايا الحسنة لدى منظمة اليونيسكو، هو دراسة شاملة تسلط الضوء على موسم الطنطان، باعتباره تجمع ثقافي وتجاري هام لقبائل الصحراء. تم تأليف الكتاب بدعم من وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أقاليم الجنوب بالمملكة المغربية، ويعكس التزام المغرب بحماية التراث الثقافي اللامادي.
صدر في مدريد بصيغتين (فرنسية-إنجليزية ) و(عربية-إسبانية ) ويقع الكتاب في 205 صفحة من الحجم الكبير، وقد حاول فيه “كيتين مونيوز (Kitín Muñoz) إبراز العديد من العناصر المميزة للموروث الشفهي لقبائل الرحل بالصحراء.
يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) كانت قد أدرجت في يونيو 2005 موسم الطنطان، الذي اعتبر على مدار قرون بمثابة منتدى اجتماعي وتجاري وثقافي لقبائل الصحراء، ضمن التراث الثقافي والمجرد.
يقدم الكتاب معلومات عن موسم الطنطان، الذي يمثل ملتقى سنويا، تلتقي خلاله أزيد من ثلاثين قبيلة من البدو الرحل بالصحراء، والذي نظم لأول مرة سنة 1963، ليصبح بعد هذه السنة “فرصة للتلاقي وشراء وبيع ومقايضة المنتجات الغذائية وغيرها، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات في تربية الإبل والخيل، كما تتخلله أنشطة ثقافية متنوعة، بعد أن كان في السابق تجمعا عفويا لقبائل الصحراء.
مقدمة الكتاب :
يبدو كتاب “رائعة التراث الشفهي اللامادي للبشرية” ملهما ومثيرا للإهتمام، حيث ركز الكاتب بشكل رئيسي على جهود إعادة إحياء موسم الطنطان وأهميته كتجسيد للتراث الثقافي الصحراوي، واستعراض بشكل مفصل التفاصيل التاريخية والثقافية للموسم، كما سلط الضوء على الأنشطة المتنوعة، من قبيل سباقات الهجن والموسيقى التقليدية والرقصات، ويؤكد أيضا على أهمية حماية وتعزيز التراث الشفهي الحساني والممارسات الثقافية التقليدية في المنطقة، مما يجعله وثيقة مهمة في سياق حفظ وترويج التراث الثقافي العالمي.
في مقدمة الكتاب، يهدي “كيتين مونيوز” (Kitín Muñoz)هذا العمل إلى والدته “إيزابيل فالكرسيل دومينوز” التي قضت فترة من عمرها بالصحراء مع زوجها “لويس مينوز سبريان” حيث تزوجها فيها سنة 1948، وقضيا شهر العسل بمدينة العيون.
يبدأ الكتاب بسرد قصة إعادة إحياء موسم الطنطان الذي نظم لأول مرة عام 1963، حيث يروي الكاتب كيف التقى رجلا صحراويا منحه كتابا قديما حول الموسم، بحديقة محاطة بالاشجار مقابل مبنى السلطة المحلية بسيدي إيفني مسقط رأسه، وبعد أن أثار شغفه هذا الكتاب، سيقرر الذهاب إلى الطنطان والتحدث مع المسؤولين المحليين لإعادة إحياء هذا الحدث الثقافي.
يقول كيتين، التقيت عاملها السيد “محمد جلموس” الذي كنت أعرفه جيدا، استقبلني بابتسامة واسعة وعشاء رائع، وأوضح لي أن الموسم قد توقف لسنوات عديدة، ومن خلال حديث مطول، قررنا العمل على إحياءه. فقررت من الطنطان السفر إلى باريس، حيث يجتمع سنويا سفراء النوايا الحسنة في مقر اليونسكو، وقد كنت واحدا منهم.
في تلك السنة، تحدث المدير العام كويتشيرو ماتسورا (Kōichirō Matsuura) عن اتفاقية حماية التراث الشفهي اللامادي، كان لكل سفير حصة من الوقت لشرح أفكاره ومشاريعه، وعندما حان دوري، ترددت في البداية، لكن سرعان ما تحدثت عن موسم الطنطان وأقترحت فكرة إحيائه، ليوافق الحضور بالإجماع، بما فيهم المدير العام، الذي على الرغم من جدول اعماله المليء بالمواعيد، فقد عبر عن استعداده لحضور أول نسخة من الموسم إذا تم تنظيمه.
سافرت بالقطار من باريس إلى الجزيرة الخضراء، من خلال رحلة بحرية، إلى المغرب. وأثناء هذه الرحلة الطويلة والجميلة اغتنمت هذا الوقت للتفكير وإعداد المشروع، وعند وصولي للمغرب قدمت الفكرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي وافق فورا على المشروع.

وخلال نفس الأسبوع، تمكنت من الحديث عدة مرات مع مختلف الوزراء وخصوصا مع مستشار الملك، فاضل بنيعيش. وماهي إلا بضعة أشهر، حتى تم تنظيم موسم الطنطان زإحياءه من جديد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، والمدير العام لليونسكو، وعدد كبير من ممثلي المنظمة، وأيضا عدد من كبار أعضاء الحكومة، إلى جانب مدعوين من الساحة الوطنية والدولية، تم إعلان موسم الطنطان كرائعة للتراث الشفهي اللامادي للبشرية.
المدير العام لليونسكو، “كويتشيرو ماتسورا” (Kōichirō Matsuura)، كتب تقديما للكتاب حيث أوضح سياقاته الثقافية العالمية، مشيرا إلى أن موسم الطنطان يمثل حدثا متنوعا يجمع بين مختلف التعابير الثقافية، يتضمن ذلك القطع الموسيقية وإنشاد القصائد القديمة باللهجة المحلية، والتي توفر فرصة لإحياء “حضارة الصحراء” كما يصفها الأنثروبولوجي “روبرت مونتان (Robert Montagne)، مع كل قساوتها وأصالتها الفريدة.
على مدار أسبوع كامل، تجتمع هذه القبائل لممارسة التجارة والمشاركة في سباقات الهجن، بالإضافة إلى الإستمتاع بمختلف جوانب ثقافة الصحراء.
وخلال تقديمه لهذا العمل المتميز، قال المستكشف والرحالة الاسباني كيتين مونيوز((Kitín Muñoz: “أريد أن يسمع إخواني الصحراويين صوت العديد من الإسبان الذين يشاطرونني رأيي بأن صحراء المغرب مغربية.
كما أوضحت وكالة الانباء الاسبانية “أوروبا بريس”(Europa Pressa) في قصاصة تحمل عنوان (كيتين مونيوث وكالينا دي بلغاريا (زوجته) من أجل الصحراء المغربية” أن كيتين مونيوث، الذي كان يحمل العلم الوطني المغربي، صاح خلال هذا المهرجان بأعلى صوته ” تعيش الصحراء المغربية “.
كما أوضح الكاتب أن موسم الطنطان يساهم بوصفه يمثل فعلا ثقافيا من خلال احتضانه لجميع مظاهر الحياة اليومية القائمة على حماية وإنعاش التراث اللامادي لمجتمعات البدو الرحل.
يتناول الكتاب عدة ملفات تتعلق بموسم الطنطان.
– التعريف بالمجال الجغرافي والتاريخ :
يقدم معلومات عن الطنطان كفضاء للتجمعات العفوية والمتكررة لقبائل الرحل حول بئر ماء، وكيف تطور هذا التجمع ليصبح حدثا ثقافيا وتجاريا هاما.
مميزات موسم الطنطان :
يعتبر الموسم تجسيدا للتراث الثقافي للرحل ويعزز الهوية الثقافية الصحراوية من خلال الأنشطة الثقافية، والرياضية، والتجارية. ويقدم تفاصيل حول الأنشطة التي تجرى خلال الموسم مثل سباقات الهجن، والموسيقى، والرقصات التقليدية، والمساجلات الشعرية.
التراث الشفهي الحساني :
يسلط الكتاب الضوء على أهمية التراث الشفهي الحساني والممارسات الثقافية التقليدية مثل الخيمة، والجمل، والشعر الحساني، والحكايات، والصناعات الحرفية. كما يعرض الكتاب كيفية تعزيز وحماية هذه الممارسات الثقافية.
أهمية الكتاب :
يعتبر الكتاب وثيقة هامة تُظهر التزام المغرب بحماية التراث الثقافي اللامادي. ومن خلال تقديمه للكتاب، يوضح المدير العام لليونسكو “كويتشيرو ماتسورا ((Kōichirō Matsuura أن موسم الطنطان يعكس التنوع الثقافي والتاريخي للمنطقة ويساهم في الحفاظ على التراث الإنساني، مع ضرورة حماية وترويج الثقافات التقليدية وجعلها جزءً من التراث الثقافي العالمي.
* خاتمة الكتاب :
يختتم الكتاب بالتأكيد على أهمية التقاليد والطقوس والتعابير الشفوية في المجتمع الصحراوي وكيف يمكن استخدامها لتعزيز الهوية الثقافية والتواصل مع العالم، كما يبرز الكتاب الجهود المبذولة لإحياء وحماية التراث الثقافي الصحراوي ويقدم رؤية شاملة حول أهمية هذا الحدث في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على التراث الإنساني.
باختصار، “رائعة التراث الشفهي اللامادي للبشرية” هو كتاب يقدم شهادة مهمة على الجهود المبذولة لإحياء وحماية التراث الثقافي الصحراوي، كما يعكس رؤية شاملة حول أهمية موسم الطنطان في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على التراث الإنساني، ويؤكد على دور هذا الحدث في جمع القبائل والمحافظة على تقاليدهم وثقافاتهم الفريدة.
ومع ذلك، يتميز الكتاب بخلفيته السياحية البارزة، أما ارتباط صاحب الكتاب بفكرة إحياء الموسم وتقديمها لعدة جهات رسمية داخل الدولة، يجعل من الصعب التحقق من صحتها. ومن جهة أخرى، يُعتبر هذا الكتاب رسالة لجميع الأعضاء والمنخرطين في اليونسكو، حيث كُتب في الجزء الثاني من اليسار باللغة الإسبانية.
من خلال هذا الكتاب يتضح أن الكاتب يتعلق عاطفيا بالصحراء، حيث أضاف صورا نادرة تعود لحقبة الخمسينات، منها صورة لأمه مع جمل في الصحراء، ولوالديه، “إيزابيل فالكرسيل دومينوز” و”لويس مينوز سبريان”، في منزلهما في مدينة الطنطان. وقد شمل الكتاب أيضا صورا للمدير العام لليونسكو راكبا جملا، إلى جانب صور افتتاح الموسم.
يُذكر أن الموسم تم إحياؤه في 18 سبتمبر 2004، وتم تنظيم دوراته سنة بعد أخرى، ويعد حدثا عالميا يبرز التنوع الثقافي والفني في المغرب، ويساهم في جمع التعابير الغنية للفضاءات الصحراوية، مما يمثل علامة بارزة في الذاكرة الثقافية الشفوية وغير المادية، حيث تتلاقى فيه تجارب تراثية إنسانية متنوعة.
موسم الطنطان بطاقة تعريف متجددة بتراث ولغة وثقافة أهل الصحراء.
وسبق للرحالة “كيتين مونيوث” الباحث في التاريخ والانثروبولوجيا أن ألف العديد من الدراسات التي تعتبر استمرارية للاعمال التي قام بها المستكشف النرويجي “ثور هرييداهل” حول الرحلات البدائية.
وقد ترأس العديد من البعثات الاستكشافية في كل من البيرو وتاهيتي وجزر الماركيز أنجز خلالها العديد من الأفلام الوثائقية عن التاريخ والطبيعة والسكان الأصليين.
وقد أكد االكاتب أن” صحراء المغرب مغربية”، مبرزا أن هناك العديد من الإسبان الذين يشاطرونه الرأي بأن الصحراء مغربية.
وباعتباره خزانا للذاكرة الجماعية، والشاهد الحي على الثراء الاستثنائي للثقافة المغربية، يحتاج التراث غير المادي إلى استراتيجية وطنية مخصصة تجمع بين صناع القرار السياسي والفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني والسكان، لحمايته من الاندثار، تحت تأثير عولمة ثقافية لا تبقي ولا تذر.
ولا يرقى الشك إلى كون هذا السِّفر الفخم يعد أبرز وثيقة تؤرخ وتوثق هذا الإرث الثقافي الجدير بالعناية والرعاية وتجاوز منطق التعاطي معه من زاوية احتفالية فُرجوية الى آفاق التثمين وتسويق المنتجات التراثية، وجعلها مادة مغرية تسُر الناظرين إليها من السياح والزائرين.

* اسلامة أشطوط : باحث في الدراسات الصحراوية والافريقية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة